مطالب الأمة لم تكن بتلك المترفة في الخيال .. وليست بتلك الأمنيات التي تتعدى حدود الواقع لتدخل في خيالات العيش في أعالي الأبراج والقصور .. وليست بتلك التي تحلم بها أميرات الخدور .. أو طموحات تتعدى سعة الواقع .. ولكنها أحلام المسجون الذي يتمنى بلحظات من نقاء الهواء والحرية .. أحلام الأمة تقلصت وأصبحت محصورة في ضروريات الحياة .. وفي أدنى درجات الكفاف .. وهي توفر ضروريات الحياة بالقدر الذي لا يكلف المعاناة .. وتوفر لقمة الخبز وتوفر التعليم وتوفر العلاج .. ثم توفر الأمن والطمأنينة .. ولكنها لم تحقق تلك الأحلام مع تواضعها .. ومجرد السعي خلف الرزق بالسبل المقرونة بالمشقات لم ترض أصحاب النظم ليمثلوا حجرة عثرة أمام الحياة الكريمة .. مما دفع البعض أن يحرق نفسه عياناً جهاراً أمام القصور الرئاسية .. أفراد الأمة الذين يعانون من البطالة وضيق الحال لم يطلبوا من النظم مبالغ مالية من خزائن دولها كحقوق وكفالات وضمان اجتماعي كما يحدث في معظم الدول المتقدمة .. ولكن فقط كانت أحلامهم أن يمارسوا عملاً شريفاً يضمن لهم سد الرمق .. ومع ذلك فإن النظم في معظم الدول لا توفر لهم فرص عمل .. وإذا اجتهدوا في طلب الأرزاق بطريقتهم الخاصة نرى البلديات والسلطات تطاردهم وتصادر تجارتهم .. تلك هي الأحوال السائدة اليوم في الكثير من الدول العربية .. عطالة وبطالة وحرمان .. ثم تكميم الأفواه .. فمطالب الأمة أصبحت محصورة في توفر حياة كريمة .. بجانب توقف نزف الفساد في كل دولة .. وفوق ذلك كله تحقيق العدالة الاجتماعية بالمعنى الحقيقي .. والأمة التي صبرت كثيراً تعلم أسرار مقدرات اقتصادياتها .. فهي قوية في أكثريتها ومتواضعة في بعضها وضعيفة في بعضها .. ولكنها أيضاً تعرف كيف أن تلك القسمة ( ضيزى ) في توزيع مدخلات إنتاجها .. أي غير عادلة .. وفي معظم دول الأمة هناك طبقتان .. طبقة تعيش في أعلى القمة على حساب معاناة الآخرين .. وهم يمثلون النخوة .. وطبقة أخرى تمثل الغالبية تعيش خارج جدار الحياة .. تكابد أمواج المعاناة في سبيل الحصول على لقمة عيش يسد بها الرمق . وإذا منع وحورب أحرق نفسه أمام القصور الرئاسية .. أو تمرد وحمل السلاح .. ثم كانت تلك الحروب بين نظم ومعارضة .. ويمكن القول بأنها حروب بين الجوعى والمحرومين وبين التسلط والمتسلطين .
ثم في النهاية التي يجب أن تكون هي ( في البداية ) من مطالب الأمة تحقيق كرامة الأمة في المحافل الدولية .. وإزالة تلك الصورة القاتمة التي تظهر الأمة في حالة ضعف وشتات .. وفي سبيل تحقيق تلك الكرامة صبرت الأمة لسنوات طويلة وهي تعاني الأمرين .. صبرت على ربط البطون .. وصبرت على تحمل المشقات .. وصبرت على مواجهة التخلف والمرض والجوع .. ولكن في النهاية خرجت خالية اليدين من كل شئ .. لا مقام يشرف القامة .. ولا حياة سعيدة تنسي الندامة .. فلم تعيد معاناة الأمة وصبرها تلك الأراضي المغتصبة من أيد الأعداء . كما لم تفد تلك الأموال الباهظة في شراء تلك الأسلحة المكدسة في إرهاب وردع الأعداء .. والذين هم في نفس الوقت يمثلون التجار والأعداء !! .. مفارقة في حد ذاتها تجعلنا تحت نعت ( عكس أذكياء ) .